في الثلاثين من مارس الماضي صعد أردوغان إلى الشرفة في مواجهة أنصاره وشكرهم على تأييدهم للحزب في الانتخابات المحلية السابقة والتي حقق فيها حزبه الفوز بأفضل نتائج في تاريخه ثم انتقل للحديث عن المنافسين وسألهم بشكل صريح ماذا قدموا لتركيا؟ أو كيف كانوا يرجون لأنفسهم، مجرد إدعاءات بأن حزبه -حزب أردوغان- به فساد وسرقة هنا وهناك، لكنهم لم يقدموا أي شيء لتركيا في حين أن حزبه قدم رؤيا اقتصادية لتحسين حياة الشعب. وهنا ضرب أردوغان على نقطة هامة جداً في طريقة تفكير كل فاشل وهى العمل على تسويق السيء والخوف والبشاعة فقط. وهذا الأمر نطبقة في حياتنا اليومية وتربية الأطفال وحتى في السياسة، في هذا المقال سوف أشرحه وأوضح لماذا هو بمثابة كارثة.
عندما كنا أطفالاً كانت الأمهات تربينا على الخوف من “بابا” بأن تردد دائماً “هتسمع الكلام ولا لما ييجي بابا أقوله” وهكذا، وإذا أرادت أن تجعلنا نقوم بأمر ما فتقول “بابا قال لو جيت ولقيت كذا محصلش هتشوف اللي هيحصل فيك” … هكذا تربينا أو غالبيتنا. تربينا أن نخاف من بابا لأنه سيضربنا، وعلينا أن نقوم بأمر ما لأن بابا قال هذا. وليس لأن هذا الأمر جيد… وتستمر السلسلة معنا في الدراسة حيث نتعلم أن علينا القيام بالواجب لا لكي نصبح أكثر مهارة وشطارة وذكاء وتحصيلاً ولكن لأننا نخاف من المدرس لأنه سيعاقب وبقسوة من لم يقم بعمل الواجب.
وعندما تريد الذهاب إلى خطبة الجمعة فتجد الخطيب يكثر من ذكر أن الله سيعاقبنا إن لم نصلي أو نزكي أو أو أو، ويضرب الأمثال على أمم حل عليها عقاب الله، وقليلاً يتحدث عن الجنة وغيرها. فنتربي بأنه يجب علينا إطاعة الله خوفاً من النار وليس لأن الله هو خالقنا الذي علينا إطاعته حباً له وأملاً في الجنة. أصبح الخوف من النار هو الأساس.
وتستمر السلسلة معنا في السياسة فكنا نسمع دعايا الإخوان الأساسية في انتخابات الرئاسة أن علينا انتخاب مرسي لا لأن مرسي رجل جيد أو أن الإخوان سيصلحون مصر، بل لأن شفيق سيعيد نظام مبارك. فأصبحت الدعايا ليست قائمة على تقديم أمر جيد ولكن عن تسويق شيء بشع وهو الخوف من نظام مبارك. وستجد قبل 30 يونيو من يقول أن عليك ألا تنزل ولا يسعى لتقديم بديل جيد أو يقول لك الإخوان حلوين وبص هيعملوا إيه في مصر وهتبقى حلوه إزاي بكره، لا لكنهم سوقوا بالخوف من الأسوء.
الآن تقوم الشرطة والجيش بعمليات اعتقال وتعذيب واسعة لآلاف والعمل على تثبيت رجالهم في كل مكان، ويطالبوك بتأييدهم وإذا سألت لماذا فلن يخبروك أنهم “كويسين” أو هيحصل شيء كذا وكذا حلو إن وقفت معهم، لكنك سيقومون بتسويق البشاعة مرة أخرى ويقولوا “إيه إنتا عاوز الاخوان يرجعوا”.
بعد أن فهمنا ما اقصده بتسويق الرعب والبشاعة نتعرف لماذا هى خطر وأمر سيء
خطورة تسويق البشاعة
الله سبحانه وتعالى ذكر الجنة في القرآن وذكر النار، وطلب منا أن نخافه ونخشاه، إذا فالمشكلة ليست في وجود الخوف نفسه فأين هى. المشكلة هى أن هذا الأمر موجود بمفرده، أنا لست فقيها في الدين لكني لا أذكر آيات تتحدث عن الكفار والعذاب إلا وأجد خلفها آيات عن المؤمنين والجنة. إذا فالأمرين معاً لا يفترقان. فلتقل أن غيرك سيء ثم تذكر محاسنك أنت وكأنك تقول “شوف أنا حلو إزاي وهو وحش إزاي” وهنا تربح لأنك ترتكز في تسويق نفسك على أمرين وليس واحد فقط. أما التسويق على السيء فقط فله عند مخاطر مثل:
1
زوال السيطرة: وهو أن يفقد من تخيف به الآخر قوته، فمثلاً يكبر الطفل ويصبح رجلاً وهنا لن يستطيع الأب ضربه، فإن لم يكن يسمع كلام والده لأنه أبوه فهنا لن يسمع أي نصائح وكلام منه ولا يمكن للأب ضربه كما كان يفعل… نفس الشيء يحدث في السياسة فمثلاً بفرض أن في تركيا اقتنع الشعب أن أردوغان وحزبه لصوص، لكنهم سيجدون أنفسهم يقولون ” لصوص لصوص بس أهو بيظبطوا البلد، أحسن من غيرهم مش لص وهيخربها، وذلك عملاً بمقولة إدي العيش لخبازه ولو أكل نصفه، فأن أعطي إدارة ماكينة لشخص يفهم وكسولي خير من نشيط وأحمق، فالأول سيديرها قليلاً أما الثاني سيحرقها، وهكذا فعل جزء من الشعب التركي حيث وجد طرف يسوق نفسه ببرنامج اقتصادي وآخر يسوق نفسه بأن الآخر وحش”… طبق هذا في دعايا هيرجعوا مبارك أو عاوز الأخوان يرجعوا الحكم وستجد من يقول “يرجع مبارك أهى البلد كانت أمان في عهده” وآخر يقول “اخوان اخوان عالأقل أحسن من اللي احنا فيه”
2
عدم التطور: في يوم من الأيام قال لي صديقي “عمرو فاروق” نصيحة هامة “متصاحبش أصحاب أغبياء” وكان قصده أنك إذا وجدت نفسك أفضل ممن حولك فلن تعمل على تطويرها. وهذا ما يحدث مع مسوق البشاعة، فهو لا يرتكز في تسويق نفسه على مزاياه لكن على عيوب غيره، فإذا كان سيركز 5 ساعات للبحث فستكون للبحث عن عيوب في الآخرين لا عن طرق تطوير ذاته. فإذا سوقت اعتماداً على مزايا فستسعى دائماً إلى تطويرها.
3
زراعة الكراهية والخوف: تخيل شعور الطفل الذي عليه دائماً أن يخاف والده، هل سيحبه؟!!! تخيل أن شعور الطالب الذي يقوم بعمل الواجبات خوفاً من العقاب، هل سيركز ويفهم ويحب المدرسة؟… تخيل شعور الذي يذهب إلى المسجد ويسمع في كل مرة خطب عن النار والعذاب ويوم القيامة واهوالها، هل سيعيش في راحة أم رعب من أقل خطأ؟؟؟… تخيل شعور الشعب المصري وهو يرى سباق بين الإسلاميين والعسكر في إبراز كل منهم لمساوئ الآخر، هل سيرى أن هناك أمل في هذه البلد؟؟؟ …. خاف من أبوك وخاف من المدرسة وخاف من العذاب وخاف من مديرك وخاف من الشرطة وخاف وخاف وخاف، هل يمكن أن يعيش إنسان سوى وقادر على الإبداع وهو بداخله كل هذا الخوف ؟؟؟ تذكر أنك إذٰ زرعت الكراهية ستعود عليك وإذا زرعت الحب فسيعود إليك.
الخلاصة:
عندما تسوق لنفسك وتعرضها يجب أن يكون على أساس نقاط قوة لديك، لا مانع من إظهار عيوب في خصمك لكن الأساس سيكون قوتك، عندما سيكون هدفك وعرضك لنفسك مستنداً على مراكز قوة فهنا ستسعى أن تكون “الأفضل The Best”، أما إذا كان هدفك أن تقل أقل سوءاً من الآخر فهنا ستكون أحسن الأمور مجرد “أفضل-Better” وشتان الفارق بين الـ أفضل و أفضل.
أجزاء السلسلة:
- سلسلة أ ب معرفة [1]: المقدمة
- سلسلة أ ب معرفة [2]: الانحياز
- سلسلة أ ب معرفة [3]: أذون الخزانة
- سلسلة أ ب معرفة [4]: البحث عن معلومة
- سلسلة أ ب معرفة [5]: خدع رقمية
- سلسلة أ ب معرفة [6]: مليارات المرور والأولوية لمن
- سلسلة أ ب معرفة [7]: بنك المشاعر
- سلسلة أ ب معرفة [8]: ابتعد عن الراحة
- سلسلة أ ب معرفة [9]: انا بنسى كثير (صوتي)
- سلسلة أ ب معرفة [10]: كيف تحصل على أفكار مبهرة؟
- سلسلة أ ب معرفة [11]: كلام في الموازنة
- سلسلة أ ب معرفة [12]: جهز الحقل للمطر (صوتي)
- سلسلة أ ب معرفة [13]: كلام في الشخصيات
- سلسلة أ ب معرفة [14]: أسئلة المعرفة السحرية
- سلسلة أ ب معرفة [15]: القوقعة عدو المعرفة الخفي
- سلسلة أ ب معرفة [16]: مبحبوش يا بابا
- سلسلة أ ب معرفة [17]: تزييف استطلاعات الرأي
- سلسلة أ ب معرفة [18]: وهم الكمال
- سلسلة أ ب معرفة [19]: أزمة الكهرباء
- سلسلة أ ب معرفة [20]: تسويق البشاعة
احسنت ياباشا