منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي أي شهر مضى وأنا لم أكتب أو أنشر أي مقال بالرغم من وعدي ببداية سلسلة “إزاي نصلح مصر” -راجع هذا الرابط-. حيث كانت هناك مشكلة، وهى أنني لم أكن راضياً عما أكتب، نعم لدى مجموعة كبيرة من الأفكار التي تكفي لما يقارب 100 مقال وأظن أن غالبية محتواهم ستجد على الأقل شخصاً واحداً تحقق له الفائدة، لكنني أصبح غير راضياً عما أكتب لذا قررت التوقف، ثم انتبهت! هناك أمور كنت أعدها ميزة لكنها تحولت إلى نقمة وسببت الضرر بي، واحتجت إلى شهر كامل لاكتشافهم. لقد وقعت فريسة في فخ ” وهم الكمال “.
وهم الكمال : الميزة الفخ
قبل أن نتحدث عن درس ” وهم الكمال ” يجب أولاً أن نذكر ما هو ” الكمال ” المقصود؟ الكمال هنا يعني أن الشخص يسعى أن يكون المنتج الذي يقدمه أو العمل الخاص به على أفضل وجهه، لا ينقصه شيء، لا يوجد لديه مانع من تأخير العمل بهدف إصلاح كافة العيوب والثغرات التي يراها به. لا يخرج الشيء إلا وهو يقول “ليس في الأمكان أفضل مما كان”. وهذا الأمر حتى الآن رائع وميزة، فهؤلاء الأشخاص عندنا ترى نتيجة عملهم تبهر به. ولعلك عزيزي القارئ تقول الآن ” أين المشكلة إذاً؟ وأين الفخ أو العيب في الأمر؟”
الفخ: الكمال هو أمر نسبي طبقاً لمنظور الشخص، فأفضل شيء بالنسبة لك قد يكون أمراً عادياً بالنسبة لشخص آخر فلا يوجد معيار واضح قاطع إذا وصلت له فهذا يعني الجودة المطلقة. لذا فقد يصل الأمر بالبعض أن يطبق قاعدة “إذا لم يكن الأمر على أفضل حال، فلن يكون أبداً”. وهذا الأمر نسمعه ونراه كل يوم فمثلاً “عندما استطيع التدين بشكل صحيح سوف أتدين”، “إذا لم أكن واثقاً بأنني سأفوز في السباق فلن أشارك”، “إذا لم أستطع أن أوفر لمن أحبها الحياة التي تستحقها فلن أتزوجها”، “إذا لم أكن قادراً على كتابة مقالي بالشكل الأمثل فلن أكتبه”.
ما حدث الآن أن الشخص يرفض أن يخرج المنتج ما لم يكن بالشخص الأمثل، لابد أن يكون راضياً عنه 100%، إذا كان 80% فلن يخرجه للنور، حتى وإن كان 99% أيضاً فلن يقدمه. والنتيجة أنه أحياناً لا يرى الأمر النور أبداً. منتج مثالي “100%” هذا سوف يسبب النفع لعدد من البشر ولنقل 100 شخص، أما نفس المنتج إذا خرج بجودة 70% فستقل الفائدة إلى 50 شخصاً. الآن أنا أريد تحقيق فائدة للـ 100 شخص فأظل أسعى للوصول لأفضل صورة، لكنني ربما لا أستطيع الوصول، والنتيجة؟ إذاً كم شخص استفاد؟
نعم النتيجة أن عدد “صفر” شخص استفاد، فلا أنت أخرجت منتج “كامل” وحققت الفائدة لـ 100 شخص، ولا أنت أخرجته بصورته الحالية وحققت فائدة لـ 50 شخصاً.
حقق الفائدة وانجو من الفخ؟
أن تكون باحثاً عن الكمال هو أمر رائع، فإنتاج سيكون مبهراً سواء كانت منتج تبيعه أو مقالات تكتبها، أو أو أو. لكن عليك أن تعلم أنك بشر، لذا لا يمكن أن تكون دائماً الأفضل، لذا ضع حد أدنى للجودة ومدة زمنية كي تنجو من الفخ وتحقق الاستفادة من “حلم الكمال”، وإليك مثال توضيحي.
أنت الآن تعمل على إنتاج وتقديم منتج X ففي البداية خذ قرار وهو “مدة زمنية 14 يوماً وبعده سيخرج المنتج إلى النور بشرط أن تكون جودته لا تقل عن 80%” والآن قم بعملك، فمثلاً وصلت إلى جودة 80% بعد 10 أيام، هل تخرج منتجك إلى النور؟ الإجابة هى لا فأمامك 4 أيام أخرى فربما تصل به إلى 90% مثلاً. لكن ماذا إذا مر 14 يوماً ووجدت جودة منتجك 70% هل تخرجه للنور؟ الإجابة مرة أخرى لا فهناك معيار للجودة لا تقل عنه وهو 80%، فإما تستكمل حتى 80% وفور الوصول إليها تخرج المنتج أو تلغي هذا المشروع والمنتج.
الخلاصة من تجربتي الشخصية
كنت دائماً أسعى أن تكون مقالاتي في أفضل صورة، ربما من يقرأ لا يشعر بالوقت والجهد الذي بذل فيه، فبعضها استغرق مني أكثر من 10 ساعات، لكن في كثير من الأحيان لا أجد الوقت الكافي لتخرج المقالات بالشكل الذي أتمناه، لذا فكنت ألغيها. بالشكل الذي أتمناه كانت تحقق فائدة لـ 20 شخصاً، أما إذا كانت “نص نص” فالفائدة قد تقل إلى 10 أشخاص، فهنا كنت أتخذ قراراً خاطئاً وهو “تأجيل النشر” وبهذا لم يستفد أحد. لذا قررت أن أسعى لوضع حد أدنى للجودة مع مدة زمنية، إذا مرت المدة الزمنية ومقالي تخطى الحد الأدنى فسوف ينشر فوراً. فتحقيق فائدة لـ 5 أشخاص يومياً أفضل بكثير من تحقيق فائدة لـ 50 شخص لكن مرة واحدة شهرياً.
ما لا يدرك كله لا يترك جله
همسة أخيرة:
- إذا وجدت نفسك قادراً على مساعدة شخص ولو 10% فساعده فهذا أفضل من لا شيء.
- إذا وجدت باستطاعتك أن تتدين ولو 1% فقم بها ولا تقل “إما التدين التام أو لا”.
- إذا كنت تقوم بأمر سيء ووجدت أنك لا تستطيع الإقلاع التام لكن يمكنك استبداله بأمر أقل سوءاً فافعل.
- لا تقع في فخ التأجيل الا نهائي، وفي نفس الوقت ضع حداً أدنى للجودة لا تقل عنه، وبهذا توازن بين الأمرين.
احذر الوقوع في فخ الكمال فميزتك قد تصبح عيبك
مقالات السلسلة:
- سلسلة أ ب معرفة [1]: المقدمة
- سلسلة أ ب معرفة [2]: الانحياز
- سلسلة أ ب معرفة [3]: أذون الخزانة
- سلسلة أ ب معرفة [4]: البحث عن معلومة
- سلسلة أ ب معرفة [5]: خدع رقمية
- سلسلة أ ب معرفة [6]: مليارات المرور والأولوية لمن
- سلسلة أ ب معرفة [7]: بنك المشاعر
- سلسلة أ ب معرفة [8]: ابتعد عن الراحة
- سلسلة أ ب معرفة [9]: انا بنسى كثير (صوتي)
- سلسلة أ ب معرفة [10]: كيف تحصل على أفكار مبهرة؟
- سلسلة أ ب معرفة [11]: كلام في الموازنة
- سلسلة أ ب معرفة [12]: جهز الحقل للمطر (صوتي)
- سلسلة أ ب معرفة [13]: كلام في الشخصيات
- سلسلة أ ب معرفة [14]: أسئلة المعرفة السحرية
- سلسلة أ ب معرفة [15]: القوقعة عدو المعرفة الخفي
- سلسلة أ ب معرفة [16]: مبحبوش يا بابا
- سلسلة أ ب معرفة [17]: تزييف استطلاعات الرأي
- سلسلة أ ب معرفة [18]: وهم الكمال
احسنتم
I feel that is one of the so much significant info for me. And i am glad reading your article. But should remark on few normal things, The website style is ideal, the articles is actually great : D. Excellent job, cheers