من عادتنا كمصريين أننا عند شراء أي جهاز جديد وبعد إخراجه من العلبة الخاصة به نبدأ في التعامل معه ونتجاهل تماماً وجود “كتالوج” لهذا المنتج. وأحياناً لا نعود نهائياً للكتالوج حتى وإن فشلنا في استخدام الجهاز وذلك لأننا مقتنعين تماماً أن التجربة والمشاهدة هى أفضل وسيلة للتعلم. لكن يبدو أن هذا الاقتناع يتوقف فقط عند الأجهزة الجديدة ولا يستمر في باقي أنحاء حيانا حيث نجد الكثير منا يتحرك في كل الاتجاهات وهو يمسك “كتالوج” للحياة، رغم أن الحياة لا يمكن أن يكون لها كتالوج. فمن فضلك اترك الكتالوج.
هل المهم أي طريق تسك أم المهم هو أين تصل؟ في الغالب يكون الهدف هو الوجهة وليس الطريق ولهذا وفي مقالي “الديكتاتورية هى الحل” والذي نشرت الجزء الأول منه والتسجيل الصوتي كاملاً. ذكرت أن دولة مثل تركيا كان هدف النظام الحاكم فيها هو جمع كل موارد وقوى الدولة معاً بأي طريقة، وبالفعل حدث هذا وتقدمت تركيا، لكن بالنظر إلى “كتالوج” الديموقراطية فإن تركيا تعد أكبر سجن للصحفيين في العالم، من يفكر في معارضة النظام يسجن، فطبقاً لتقرير حقوقي صدر قبل أشهر فإن عدد السجناء الصحفيين في تركيا يفوق دول مثل الصين وإيران وحتى سوريا. صحفيين يحصلون على جوائز “أفضل صحفي في العالم” تجدهم يلقون القبض عليهم بتهم الإنضمام لتنظيم إرهابي ويحصلون على 10-15 عام سجن. الإعلام نفسه يعد نسخة محسنة من الإعلام المصري الذي نعرفه جميعاً ويقوم بعمل “غسيل مخ” يومي لكن بطريقة أكثر مهارة ونظافة.
الكتالوج الذي أقصده في مقالي هذا هو أن تنظر إلى هدف ما تريد الوصول إليه، ثم تقرر الإمساك بكتالوج وتقول أن علينا أن نسير بهذه الطريقة وسنجل لهذا الاتجاه في وقت كذا. يمكنك اختيار الوجهة، ويمكنك اختيار الطريقة “الكتالوج” ويمكنك أن تختار وقت الوصول، لكن لا يمكنك أبداً أن تختار كل العناصر.
إذا كنت تشعر بأن الفكرة غير واضحة بالشكل الكافي فانتظر إلى بعض الكتالوجات التي نتمسك بها وسأطرحها في الأسطر التالية.
كتالوج المثالية:
أعتبر نفسي من الذي عانوا طويلاً من هذا الكتالوج، فأنا أرى أن علينا أن نتحلى بالمثل العليا والمبادئ والأخلاق وو في أي وقت وتحت أي ظرف، فمثلاً بعد 25 يناير عارض أن يتم شتيمة مبارك أو أي شخص، وهذا جعل عدداً من أصدقائي يقولون أنني “فلول” عشان كنت بختلف معاهم جداً لما يشتموا. ومع الوقت بدأت في التأقلم وأن أصبح أكثر “براجماتية” وهذا جعل كلمة “فلول” تتحول إلى “معندكش إحساس ولا دم”. لكنني بدأت أركز فيمن حولي وفوجئت أن نسبة كبيرة منهم تحمل كتالوج المثل العليا، فهم يرون أن الصحافة لابد أن تكون “محايدة” وأن من يعمل في السياسة لابد أن يكون “صادقاً” وأن على المسئولين والرموز عدم المناورة والصراحة، وأنه لأنك تكرهه أمريكا فعليك طرد سفيرتها مثلاً وكأننا في عالم مثالي رومانسي، وهذه بعض أشهر المثاليات التي تنتشر يومياً:
- لماذا لا يشتم الصحفي xxxxx النظام العسكري كما كان يشتم مرسي؟
- لماذا لم يقطع مرسي العلاقات مع أمريكا ويعدل اتفاقية السلام مع إسرائيل؟
- لماذا لم ينزل xxxx مليونيات ضد قرار النظام الحالي بـ xxxx كما فعل مع النظام السابق؟
هناك مئات الأمثلة التي نشاهدها يومياً من كل التيارات وليس تيار واحد. العالم لن يسير بالمثالية وكتالوجات الأخلاق والمثل. فإن كنت تريد التمسك بها فهذا حقك ولا يستطيع أحد أن ينزعه منك، لكن لا تغضب عندما ترى العالم لا يسير طبقاً لكتالوجك، فأنت الذي جئت به للعالم لا العكس وهم ليسوا مجبرين أن يسيروا طبقاً له.
من فضلك اترك كتالوج المثل العليا وانزل إلى أرض الواقع.
كتالوج الديمقراطية:
أكثر كتالوج وشعارات نخدع بها يومياً، ويعد الراعي الرسمي لهذا الكتالوج هو الدكتور محمد البرادعي. نجد شعارات ديمقراطية تنشر يومياً ويحدث عكسها، فمن حقك أن تتظاهر ومن حقي أن أقتلك. لكن للأسف يصدق البعض “الديمقراطية” وأنه يجب أن نفعل كذا كذا. ونستشهد بكلام الغرب، رغم أننا بالتدقيق نجد أن الغرب لم يكن أبداً ديمقراطي، فأين كانت الديمقراطية في الوقوف ضد حماس عند فوزها في الانتخابات؟ أليست وقتها حكومة منتخبة؟ أين كانت الديموقراطية في الاطاحة ب “محمد مصدق” في إيران في الخمسينات؟ أين حقوق الإنسان وإدانة سجن معقلي جوانتنامو على مدى أكثر من 12 سنة بدون محاكمات؟ أين حرية تكوين أحزاب وفي نفس الوقت تجد حظراً لأحزاب ذات فكر نازي مثلاً.
الخلاصة: إن كنت تظن أنك تستطيع شراء كتالوج الديمقراطية وتقوم بتطبيقه فأنت واهم، لا يمكن أن تتحول من ديكتاتورية 100% إلى ديموقراطية 100%، لابد أن تتحول إلى 80% ديكتاتورية مع 20% ديمقراطية ثم 70-30 وهكذا. لابد أن تتقبل وجود الديكتاتورية وتعمل على تقليلها مع الوقت، فأنت لم تتحول إلى دولة ديكتاتورية بين يوم وليلة، فمثلاً عبد الناصر بكل قوة ثورة 1952 فقد احتاج إلى 6 أشهر كي يلغي الأحزاب. فتوقف عن البكاء على اللبن المسكوب وأنه يوجد ديكتاتورية لأنها لابد أن توجد، والدول التي تراها قمة في الديمقراطية احتاجت في تاريخها لعشرات السنين لتصل هكذا.
من فضلك اترك كتالوج الديمقراطية وانزل إلى أرض الواقع.
كتالوج المشاعر:
أردت أن أضيف هذا الكتالوج أيضاً حتى لا يكون المقال سياسي أو أن يفهم أن الكتالوجات فقط موجودة في السياسة، فحتى في تعاملاتنا مع بعضنا البعض نجد الكتالوجات تحدث وتتطبق. وكتب العلاقات والتعاملات تعد كتباً رائعة وأنا شخصياً ممن يقرئونها، لكن في بعض الأحيان تجد شخصاً قرأ كتاباً في العلاقات أو التعاملات أو فنون التعامل مع الشخصيات الصعبة أو حتى الاعتذار ويأخذه وينزل إلى أرض الواقع ويطبقه بالحرف، فمثلاً يقول لابد في البداية أن أعتذر ثم أقدم هدية ثم ثم، ولأن الشخص قد شرد قليلاً أثناء حديثه معي فهذا يعني كذا كذا. وغيرها من الأمور التي تنشر في الكتب. كتب العلاقات والمشاعر والتعاملات كما ذكرت كتباً رائعة وهدفها أن تجعل لديك معرفة ومرونة وتفكير واسع، لكن إن كنت تتخيل أنك ستأخذ كورس أو تقرأ كتاب لتطبقة في أرض الواقع “كوبي بيست” فـ
من فضلك اترك كتالوج المشاعر وانزل إلى أرض الواقع
كلمة أخيرة:
هدفت بمقالي هذا أن أقول لأصدقائي من حولي أن يتوقفوا عن التفكير بمثالية مطلقة في شتى الأمور، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الأخلاقية أو حتى الدينية. فكما تعلمنا في الجامعة أن هناك نتيجة “نظرية” وأخرى “عملية”، وعندما تشتري أي جهاز تجد مواصفات مثالية مكتوبة عليه وعند التطبيق تجد نتائج مختلفة قليلاً. فمن فضلك سيب الكتالوج واتعامل وحاول أن تصل إلى أفضل نتيجة بالمعطيات التي أمامك ولا تقف وتعترض وتقول “طبقاً لقواعد كذا لابد أن نفعل كذا” وتذكر دائماً أن “ما لا يدرك كله لا يترك جله” ولابد أن يكون هدفك هو أن تصل إلى النتيجة لا أن يكون السير في طريق محدد رسمه الكتالوج.
إن شاء الله سوف يكون هناك مقال بعنوان “رومانسيات سياسية” وسوف يكون للحديث المفصل عن “الكتالوج” السياسي
هل تريد أن تقول من هذا المقال أن علينا أن نطرح القيم والأخلاقيات جانباً وأن نتعامل مثل ما يتعمل به الأخرون. إذا فأين تقع هويتنا. إننا بهذا الأسلوب سوف نفقد هويتنا سريعاً ونتبع كل من له قدره أكبر منا على نشر مفاهيمنا. وبالتالى سيكون شخص مثل السبكى هو المتحكم فى نوعية الأخلاقيات التى يتم نشرها فى المجتمع.
ملاحظة قوية أخي إيهاب و في محلها.. ولكن أتوقع ان الأستاذ محمد لا يقصد بأن نترك مبادئنا و قيمنا .. بل هو يريد من مقالته هذه القول بأننا يجب ان نخرج عن المألوف وان نفكر خارج الصندوق ولو قليلا..
كما أنه لا يوجد في هذه الحياة قوالب كاملة لنأخذها ونطبقها كما هي (فلكل مقام مقال) .. دمت بود
Wow! Thank you! I permanently wanted to write on my blog something like that. Can I take a part of your post to my blog?