تهدف سلسلة “أ ب معرفة” إلى نشر المبادئ الأساسية في المعرفة لدينا، وقد تحدثت تفصيلياً في الجزء السابق عنها وكانت المعضلة التي وقعت فيها هى “كيف تكون البداية؟“، إذا كان لدي شخص لا يعلم أي شيء عن أي شيء وأريد إرشاده فكيف سأبدأ؟ سأخبره بالمفاهيم الاقتصادية والسياسية والتقنية، سأطلعه كيف يبحث عن المعلومات وحجم ديون مصر، القوانين والمؤسسات الدولية ووو… مهلاً ما الذي أفعله؟!!! إنني أخبره بما أعرفه أنا، لكن هل كل ما أعرفه “صحيح“؟ لقد قرأت كتباً محددة وتابعت أشخاص وعلماء وو وجدتهم مقنعين بالنسبة لي، أي أنني انحزت نحو أفكار ومبادئ معينة والآن عندما أعلم غيري سوف أعطيه ما تعلمته، والنتيجة ستكون أنني أنتج “نسخاً” مني وهذه ليست بناء معرفة وتعليم بل توجيه. لذا قررت أن تكون البداية هى “مفهوم الانحياز“.
مبدأ الانحياز ربما يبدو مألوفاً للبعض، وربما يراه البعض الآخر أمراً هيناً، لكنني أراه خطيراً للغاية. لكن ما هو الانحياز؟. هناك مثل شعبي يقول “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع“. فالله عز وجل لم يخلقنا لوناً واحداً أو شكلاً أو طولاً، لكل شخص منا شكله وأفكاره ومبادئه، فما أميل له ربما لا تحبه أنت والعكس كذلك، وعندما اتحدث أنا عن أمر فأنني أتحدث ولدي مرجعية فكرية “انحاز لها” وهى تؤثر عليه حتى دون أن يدري. ولنرى المثال التالي للتوضيح:
- الموقف: خلاف بين شخصية نتج عنه أن قام X بسب Y بأهله وصفعة بالقلم، فانهال عليه Y ضرباً. وبسؤال شاهدي العيان – صادقين- سمعنا التالي:
- الشاهد الأول “صديق X”: نعم قام صديقي X بسبب Y لكنك لا تعلم ما الذي فعله هذا الأخير، لقد كسر ثلاثة أضلاع لصديقي وحطم نظارته وسحله على الأرض ومزق ملابسه، فهل السباب يستحق كل هذا؟
- الشاهد الثاني “صديق Y”: نعم لقد ضرب صديقي Y هذا الـ X بقسوة، لكن هل تعلم ماذا فعل الآخر؟ لقد سب والد صديقي المتوفي وأهان أمه المريضة وقام بصفعة على وجهه مما أهان كرامته كرجل فكان ضربه له رد فعل وليس قسوة عن عمد.
- التحليل: القصة السابقة والتي تظهر أن كلا شاهدي العيان لم يكذب ولم يخفي أي حقائق لكن لأنه يوجد انحياز فقد قام كل منهما برواية القصة بطريقة تخدم هذا الانحياز، وبدون كذب.
وبعد أن عرفنا ما هو الانحياز، دعونا نرى أمثلة واقعية له في الرياضة والسياسة والاقتصاد والحروب. ويمكن مشاهدة الفيديو التالي من فريق “تحرير أكاديمي” لمعرفة مهوم التحيز:
الرياضة:
أشهر أنواع الانحياز الرياضي هو أن ترى فريق هو الأفضل دون الآخر بدون سبب مقنع، لكن هناك أمثلة أخرى للانحياز فإذا أدرت أن تعلم أبنك فنون القتال فستفكر أي مدرسة تختار، المدرسة الأسيوية التي تضع اللياقة والمرونة هى الأساس والعضلات هى النقطة الثانوية، أم المدرسة الكلاسيكية والتي تفضل زيادة العضلات والقدرة على تحمل الضرب بهدف الوصول للخصم ووقتها تكون ضربتك قاضية.
الاقتصاد:
المجال الأساسي للانحياز هو في الاقتصاد ونذكر ثلاثة أنواع من الانحياز مثل:
نوع الاقتصاد: بعض العلماء يرون الأسلوب الاشتراكي ودعم الفقير هو الأفضل، والبعض الآخر يفضل الرأس مالي، وثالث يفضل نظام وسطي وغيره.
المؤشرات الاقتصادية: عندما نصل إلى أجزاء الاقتصاد من المقال ستجد أن بعض المؤشرات الاقتصادية مثل “جيني-Gini” وغيره ستجد أن الأرقام الصادرة من البنك الدولي لنفس المؤشر تختلف عن أرقام المخابرات الأمريكية عن أرقام الاتحاد الأوروبي وغيره “لنفس المؤشر” ، السر هو وجود بعض الحسابات التي ينحاز إليها البعض ويضيفها والبعض الآخر يهملها، بالإضافة إلى إنحيازات سياسية.
النشاط الاقتصادي: حتى الدول التي تعمل بنفس إسلوب الاقتصاد ستراها ترى مناهج فيه مختلفة، المدرسة الألمانية تفضل الاعتماد على الصناعات الثقيلة، أما المدرسة السوسرية فترى أن الأفضل هى البنوك والاستثمار، أما الفرنسية فتذهب نحو الأغذية والعطور والملابس والاتجاه الترفيهي وتراه الأفضل.
السياسة:
أكثر نشاطات حياتنا اليومية حالياً هو السياسة وربما تشعر بالغرابة إذا وجدتني أريد ضرب مثال بالانحياز في السياسة، صراحة أريد أن أضرب مثالاً يوضح أنه في وسط المنحازين نحو اتجاه معين يوجد انحيازات فرعية داخلهم، ومثال على أرض الواقع المنحازين للتيار الإسلامي إذا سألتهم ما الحل للأزمة في مصر لن تجد حلاً واحداً بل عشرات مثل:
- الانسحاب إلى الخلف وإصلاح المشاكل وترتيب الأوراق ثم التقدم مرة أخرى للأمام، وخلال هذه الفترة عليهم تحمل خسائر بشرية ومادية ومعنوية، لكن في النهاية ننتصر، ومدرستهم في ذلك التجربة التركية أربكان-أردوغان.
- استمرار المواجهة مع تحمل الخسائر أيضاً مع الأخذ في الاعتبار أن عدم وجود سابقة نجاح لهذا الأسلوب ليس دليل على فشله فربما تكون أنت أول من ينتصر به. وكل أسلوب ناجح كان في يوم من الأيام فئة هى من نجحت به لأول مرة وجعلته أسلوب ناجح.
- المواجهة العنيفة والسعي للانتصار دموي أو عسكري على الأرض ومدرستهم في ذلك أي حرب أهلية أو خلاف حماس-فتح بعد انقلاب فتح على الشرعية “حماس” فاستقلت “حماس” بغزة.
الحروب
مثال أخير على أنواع الانحياز وهو الحروب، بعض الدول تفضل أسلوب التقدم التكتيكي البطيء في فلسفتها العسكري وأظن أن مصر من هذه الدول فخطة 1973 كانت تعتمد على التقدم البطيء تحت حماية الدفاع الجوي، وحتى في حرب 1948 كان الجيش المصري يتحرك بشكل بطيء لكن فعال. وهناك مدرسة أخرى ترى الحرب الخاطفة وهى مدرسة “هتلر” في الحرب العالمية وأيضاً نفس المدرسة التي تتبعها اسرائيل في حروبها وهى ضرب بقوة وبكثافة كبيرة وهجوم شامل وبعدها إذا لم تنتصر فيجب عليك أن تنسحب وتلغي الحرب، والمدرسة الأمريكية والتي ترى إطالة فترة القصف الجوي وتحمل تكاليفه المادية الباهظة وبعد ذلك الهجوم الأرضي. ولكل دولة أسبابها الخاصة في اختيار التكتيك المستخدم.
الشخص المحايد
أعلم أن البعض ربما يفكر أنه لابد أن يكون محايداً، صراحة وبشكل شخصي – وما أنحاز له- هو أنه لا يوجد حياد تام، لابد أن يكون لك ميول واتجاه تقف معه وتسانده وتدافع عنه، يمكنك أن تكون شخص “عادل” بألا تكذب أو تزيف فإذا سألت عن التيار المضاد لك لا تكذب أو تزيف حقائق. لكن أن تكون بلا رأي ولا تحيز فأنا اعتبر هذا الشخص “إمعة” أو “لا شيء” وجودة مثل عدم وجودة فلن يزيد أو ينقص. ومرة أخرى أوضح أن كونك منحازاً لا يعني ألا تكون عادلاً أو يجعلك كذاباً.
أضرار الانحياز والحماية منه
الانحياز يدفعك لأن يكون مصادرك من جهات أنت مؤيد لها، فإذا تحدث شخص ممن تؤيده وقال معلومة لا تعرفها أنت فلن تفكر في البحث والتأكد منها، وإذا قال من تعارضة فسوف تكذبه. كما أن الانحياز قد يضللك في البحث عن معلومات، فعند بحثك الحر عن أي معلومة – وخاصة معلومات اقتصادية- ووجدت مصدر فيجب أن تعرف أن هذا المصدر له انحيازات فكرية.
الحل هو توسيع مصادر معلوماتك، فمثلاً تريد معرفة معدلات الفقر في مصر، فيمكنك الحصول عن أرقام الجهات الحكومية المصرية، وأرقام البنك الدولي، والأمم المتحدة، والمخابرات الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومنظمات غير حكومية وغيرها، وتضع الأرقام أمامك وستفاجئ أن كل الأرقام تقريباً غير متطابقة، وهنا ابحث عن منطقة التقاطع بين الأرقام أو المنطقة التي تدور حولها غالبية الأرقام، هذه المنطقة هى الأقرب للرقم الصحيح.
وفي السياسة والصحافة عليك أيضاً. فإذا سمعت قصة ورواية لحادث، قم بقراءته في أكثر من مصدر مختلف في التوجهه، وستجد هناك نقاط متفقة في جميع الروايات ونقاط مختلفة، نقاط الاتفاق هذه هى الحقيقة، أما الباقي فهو عادة يكون “البهارات الصحفية”.
كلمة أخيرة:
كاتب هذا المقال منحاز نحو بعض الأراء السياسية والاقتصادية وحتى التقنية، ضع هذه القاعدة أمامك وعندما تسمع أي معلومة ضع احتمال ولو 1% أن هذه المعلومة خاطئة لأن المصدر منحاز، طالما أنت تعلم أن المعلومة التي حصلت عليها ليست صحيحة 100% فستظل تبحث وتبحث وتتعلم أكثر.
هل فكرت من قبل ما هى انحيازاتك الفكرية؟ وهل تعمل على تفادي عيوب الانحياز؟
مقالات السلسلة:
- سلسلة أ ب معرفة [1]: المقدمة
- سلسلة أ ب معرفة [2]: الانحياز
- سلسلة أ ب معرفة [3]: أذون الخزانة
- سلسلة أ ب معرفة [4]: البحث عن معلومة
- سلسلة أ ب معرفة [5]: خدع رقمية
- سلسلة أ ب معرفة [6]: مليارات المرور والأولوية لمن
- سلسلة أ ب معرفة [7]: بنك المشاعر
- سلسلة أ ب معرفة [8]: ابتعد عن الراحة
- سلسلة أ ب معرفة [9]: انا بنسى كثير (صوتي)
- سلسلة أ ب معرفة [10]: كيف تحصل على أفكار مبهرة؟
- سلسلة أ ب معرفة [11]: كلام في الموازنة
- سلسلة أ ب معرفة [12]: جهز الحقل للمطر (صوتي)
- سلسلة أ ب معرفة [13]: كلام في الشخصيات
- سلسلة أ ب معرفة [14]: أسئلة المعرفة السحرية
- سلسلة أ ب معرفة [15]: القوقعة عدو المعرفة الخفي
- سلسلة أ ب معرفة [16]:مبحبوش يا بابا
- سلسلة أ ب معرفة [17]: تزييف استطلاعات الرأي
شكرا لك مقلال روعه
I’ve recently started a website, the info you offer on this web site has helped me tremendously. Thank you for all of your time & work.
I’ve recently started a blog, the info you provide on this site has helped me tremendously. Thanks for all of your time & work.
It’s hard to find knowledgeable people on this topic, but you sound like you know what you’re talking about! Thanks
Hello! I’m at work surfing around your blog from my new iphone 3gs! Just wanted to say I love reading through your blog and look forward to all your posts! Keep up the excellent work!
Hello there, simply changed into aware of your blog via Google, and found that it is really informative. I am going to watch out for brussels. I’ll appreciate when you proceed this in future. A lot of other folks might be benefited from your writing. Cheers!
I would like to get across my affection for your kindness giving support to women who must have assistance with this particular study. Your personal commitment to getting the message all through turned out to be pretty powerful and has always made guys just like me to realize their objectives. The helpful key points indicates this much a person like me and substantially more to my office workers. Best wishes; from everyone of us.
I’ve read some excellent stuff here. Certainly value bookmarking for revisiting. I surprise how so much effort you put to create this kind of wonderful informative site.
you’ve gotten an excellent weblog here! would you like to make some invite posts on my weblog?
It is appropriate time to make some plans for the future and it is time to be happy. I have read this post and if I could I wish to suggest you few interesting things or tips. Perhaps you could write next articles referring to this article. I wish to read more things about it!
Valuable info. Lucky me I found your website by accident, and I am shocked why this accident did not happened earlier! I bookmarked it.
Utterly indited subject matter, thanks for information .
I have been exploring for a bit for any high-quality articles or weblog posts in this kind of house . Exploring in Yahoo I eventually stumbled upon this site. Reading this information So i?¦m glad to convey that I’ve an incredibly excellent uncanny feeling I found out just what I needed. I most undoubtedly will make sure to don?¦t omit this website and provides it a look regularly.
Hello I am so grateful I found your webpage, I really found you by mistake, while I was looking on Askjeeve for something else, Nonetheless I am here now and would just like to say thanks for a incredible post and a all round enjoyable blog (I also love the theme/design), I don’t have time to browse it all at the minute but I have saved it and also added in your RSS feeds, so when I have time I will be back to read more, Please do keep up the great work.
You got a very superb website, Gladiola I found it through yahoo.
Hello there, simply turned into alert to your blog via Google, and found that it’s truly informative. I’m gonna be careful for brussels. I will appreciate if you proceed this in future. A lot of folks can be benefited out of your writing. Cheers!
I was looking at some of your blog posts on this internet site and I believe this internet site is really instructive! Keep on putting up.
Hey There. I found your blog using msn. That is a really well written article. I’ll make sure to bookmark it and come back to learn more of your helpful info. Thanks for the post. I will definitely return.
Very well written post. It will be beneficial to anybody who employess it, as well as yours truly :). Keep up the good work – looking forward to more posts.
Very interesting subject, thanks for putting up.
We are a group of volunteers and opening a new scheme in our community. Your web site provided us with valuable info to work on. You’ve done an impressive job and our whole community will be grateful to you.
you have a great blog here! would you like to make some invite posts on my blog?
There is evidently a bundle to identify about this. I suppose you made some good points in features also.
Aw, this was a really nice post. In idea I want to put in writing like this additionally – taking time and precise effort to make a very good article… however what can I say… I procrastinate alot and not at all seem to get one thing done.
Some genuinely interesting info , well written and generally user genial.
Well I sincerely enjoyed reading it. This information provided by you is very effective for proper planning.
Rattling superb information can be found on blog. “The fundamental defect of fathers is that they want their children to be a credit to them.” by Bertrand Russell.
Hello! I just would like to give a huge thumbs up for the great info you have here on this post. I will be coming back to your blog for more soon.