ربما تكون طابعاً بشرياً وربما من التربية؛ لكن نسبة كبيرة منا تؤمن بنظرية “الرابح الوحيد” وهى أنك إذا أردت أن تربح فلابد أن يكون هناك آخر يخسر، لكن هذه النظرية وإن كانت صحيحة في أمور محدودة مثل الرياضة والتي لا يمكن أن يربح الطرفين أي تكون علاقة Win-Lose، لكن في الدنيا هناك ثلاثة أنواع من العلاقات وهم Win-Win و Win-Lose و Lose-Lose وفي هذا المقال نناقش فكرة الرابح الوحيد في حياتنا.
في الاقتصاد:
هناك نظرية في الاقتصاد الرأسمالي تسمى Trickle Down Effect وهى التي يفترض كان رئيس الوزراء الأسبق “أحمد نظيف” يريد تطبيقها في مصر. فكرة هذه النظرية هى أنه إذا ربح الشخص الذي في أعلى فإن الربح يعود تلقائياً على الدرجات الأقل منه وهكذا، لذا فساعد رجال الأعمال ليربحون أكثر وبالتالي يفتتحون المزيد من المصانع فتقل البطالة، وأيضاً تزداد أرباح الدولة من الضرائب لزيادة عدد المصانع، كما أن بزيادة الإنتاج عن طريقة زيادة المصانع فستقل التكلفة وبالتالي تنخفض الأسعار فيربح الشعب. وبالتالي يصبح الجميع رابح وذلك بمساعدة الثري بأن يصبح أكثر ثراءاً، لكن هذا لم يحدث لأننا غير مقتنعين بفكرة أنه إذا ربح غيرك سيعود عليك الربح أنت أيضاً وبالتالي عندما ربح من في أعلى لم يزد من أرباح من أسفل منه.
دائماً ما يرمز كرسم توضيحي لهذه النظرية بأكواب فوق بعضها وإذا صببت الماء في أعلى فإن من في أسفل يحصل عليه.
دعني أسألك سؤلاً: هل إذا اشتريت سهم في البورصة بسعر 100 جنية ثم بعته ب 120 وربحت 20 جنية فهل هذا يعني أن هناك آخر خسر 20 جنية؟! إجابة غير صحيحة، فربما من اشترى بـ 120 باع بـ 130 وربح هو الآخر، وهكذا، نعم سيكون هناك خاسر في النهاية لكن لا يشترط أن كل من يكسب سيقابله خاسر.
هذا الأسلوب في التفكير نأخذه معنا في كل جوانب حياتنا ويقتنع به معظمنا، فتجد الشخص العادي مقتنع أنه لابد أن يخسر الأغنياء كي تحسن دخل الفقراء وهذا وإن كان صحيح للوهلة الأولى بتطبيق الضرائب التصاعدية لكن إذا تناقشت معه فستجد أنه لا يقصد الضرائب التصاعدية لكن يقصد الخسارة بمعنى الخسارة وسيقول لك “كسبوا كثير فكفاية قوي لغاية كده ويخسروا شوية”. حتى أن الرئيس السابق “محمد مرسي” قال في أحد خطاباته أن هناك 32 عائلة تتحكم في الاقتصاد وأن هذا ليس عدلاً، وهو الأمر الذي يرسل إشارة للمواطن العادي أنه لابد من القضاء على عائلات مثل “ساويرس-منصور-السويدي-المرشدي…” وهذا التفكير غير صحيح، الحقيقة أنه ليس عيباً أن يكون الاقتصاد به عائلات، فدراسة سويسريه نشرت في 2012 ذكرت أن 40% من الاقتصاد الأمريكي تحكمه العائلات، وتصل النسبة إلى 65% في البرازيل وأسبانيا، والمتوسط العالمي هو 49%.
مثال آخر وهو قناة السويس حيث تجد ملايين يرددون عبارة لو عملنا مشروع قناة السويس فالإمارات هتفلس “مفيش احتمالية تعاون بين الدولتين ولازم واحد يقضي عالثاني!!“، محدش فتح الخريطة وشاف المسافة بين هونج كونج وماليزيا وسنغافورة أد إيه، ومسمعناش إن في واحد منهم قضى عالثاني وهو بيكبر عشان هو قريب منه وخاصة سنغافورة دي تشعر أنها جزء من ماليزيا لكن هذه الدول تتعاون معاً فتربح معاً لأنهم يعلمون أن فلسفة:
لازم غيري يخسر عشان أكسب أنا هى فلسفة غلط
في السياسة:
تستمر فكرة “الرابح الوحيد” أيضاً في السياسة حيث يظن كل فصيل أنه لابد أن يقضي على الفصائل الأخرى كي ينجح هو، الجيش يظن أنه يستطيع القضاء على كل الإخوان، والأخوان يظنون أنهم يستطيعون هزيمة كل من في مصر، لا أحد يستطيع ذلك ولن تخرج مصر من أزمتها الحالية وحالة الانقسام المستمرة منذ ما يزيد عن العام ونصف إلا بأن يقتنع الجميع بأن البديل لـ Win-Win هو Lose-Lose. فإذا ظن الجيش أنه يستطيع أن ينتصر تماماً في المعركة فهو مخطئ. فحتى وإن انتصر على الأرض لكنه فعلياً خسر الكثير في معركة طويلة، وإن ظن الاخوان – التيار الإسلامي – أن كل ما يحلمون به هم فقط سيحدث وما يريده منافسوهم لن يحدث فهم حقاً يحلمون. على الجميع أن يعلم قاعدة “من الأفضل أن تشارك الآخرين أحلامك عن أن تموت معك“، فإما أن يتخلى الطرفان عن وهم إمكانية أن يكونوا “الرابح الوحيد” ويجدا نقطة التقاء أو أن تستمر الأزمة إلى أن يشاء الله.
على السياسين أن يقرروا اعتماد قاعدة Win-Win وأن يعلموا أن Win-Lose هى وهم أسطوري
الخلاصة:
أعلم أن البعض سيعترض على ما أقول معتمداً في ذلك على مبدأ “الندرة النسبية-Relative Scarcity” وهو أن احتياجاتنا أكبر دائماً من مواردنا، ولذلك فالفلوس اللي في مصر مش كفاية إنها تخلي كل المصريين عايشين مرتاحين. لكن ماذا عن الأموال التي في العالم؟!!. أي ربما تكون السفن والشركات التي تعمل في الإمارات لا تكفي لأن تتشارك مصر والإمارات فيها، لكن ليه ميحصلش تعاون تجيب بيه شركات أكثر من الموجودة بالفعل فتكفي الإثنين. وهم الرابح الوحيد هو ما حاربه مارتن لوثر كينج عندما قال “يجب أن نتعلم أن نعيش معاً كأخوة … أو نموت معاً كحمقى”.
I like this web site so much, bookmarked.