بعد أيام يهل علينا يوم “25 يناير” وهي الذكرى الثالثة للثورة، وإن كانت هذه المرة هى الأخطر في تاريخ مصر، فالبعض يرى بل ويمكننا القول أن آلاف وعشرات الآلاف يرون أن 25 يناير هذا العام ما هو إلا بداية الحرب الأهلية الأولى في تاريخ مصر منذ توحيد الفرعون “مينا” للبلاد قبل أكثر من 5000 سنة. فهل حقاً سيكون هناك حرباً أهلية؟ بالطبع هذا علم الغيب لكن ماذا عن توقعنا الشخصي؟ في هذا المقال سوف أستعرض رأيي الشخصي وتوقعي عن الحرب الأهلية المصرية.
في البداية أريد من كل متابع لي أن يعود لمقالي “أ ب معرفة : الإنحياز” والذي ذكرت فيه أن كل شخص ينحاز لبعض الأفكار والآراء. أردت هذا للتوضيح أن ما بنيت عليه وجهة نظري طبقاً للمعلومات التي لدي. فربما يكون هناك معطيات وأمور أخرى لا أعلمها، لكنني سعيت جدياً للتحقق مما أذكره في هذا المقال.
وجهة نظري الشخصية تقول أنه “لن” يكون هناك حرباً أهلية في مصر، ولن نقترب حتى منها، بالطبع سيكون هناك اضطرابات ضخمة في البلاد، لكن لن تصل إلى حرب أهلية أو حتى فقدان الحكومة المركزية في القاهرة السيطرة على أي من أطراف البلاد ولو لأسبوع حتى. وسأشرح لماذا لا أرى هذه الحرب؟ وسوف أعلي ردي في 3 محاور وهم “السياسة” و “الاقتصاد” و “علم النفس“. وإذا رأيت تحليلي غير مقنع لك فربما تجيب الخلاصة عليك.
السياسة:
هل إذا كنت تسير في شارع يغرق بالبنزين ثم أخرجت عوداً من الثقاب وأشعلته ثم ألقيته سوف يشتعل الشارع؟!!! اسمعك تقول “نعم بالطبع وقود ويلقى عليه عود ثقاب مشتعل”. الإجابة الصحيحة هى “ربما”. سوف يعتمد اشتعال الشارع على حالة الجو، فإذا كنت تسير في شارع به هواء أقرب للعاصفة فمهما أشعلت عود الثقاب وألقيته فسوف يطفئ قبل أن يصل للبنزين. ففي دراستي بكلية العلوم والتي استمرت 10 سنوات تعلمنا أنه إذا وضعت كل المواد الكيميائية بشكل صحيح لكن ظروف التفاعل (حرارة، عامل حفاز، ….) غير مناسبة فلن يحدث التفاعل أو لن يأتي بالنتيجة المتوقعة.
هذا ما أراه في مصر
نحن نعيش في ظروف نظرياً تؤدي إلى حرباً أهلية، لكن أهم عامل محفز للتفاعل غير موجود وهو العالم من حولنا. ففي الحرب الأهلية الاسبانية كان هناك دولاً تؤيد الملكيين وأخرى الجمهوريين مثل هتلر، الحرب الأهلية اليمنية أيد الإمام (السعودية والأردن وإيران وإسرائيل) وأيد الجمهوريين (مصر والسوفيت)، في الحرب اللبنانية، الرواندية، سيراليون، الخ الخ الخ وحتى الحرب الأهلية -الثورة- في سوريا دائماً يكون هناك دولاً في العالم الخارجي تقف مع كل طرف تسانده. وهذا غير متوفر في الشأن المصري فالكبار لا يريدونها مشتعلة هكذا.
النظام العالمي له 3 مصالح في منطقة الشرق الأوسط وهو “البترول، قناة السويس، أمن إسرائيل”. حدوث حرب أهلية في مصر = ضعف الحكومة المركزية = فقدان سيطرتها على المناطق الحدودية والقبلية = الـ 3 مصالح السابقة في خطر حيث سيحدث التالي
تهديد وعدم انتظام حركة الملاحة في قناة السويس => اضطراب في وصول البترول من الخليج & ضعف المراقبة والسيطرة على سيناء مما يؤدي إلى انتشار التهريب في الانفاق وأيضاً تحولها لمقر عمليات لتنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية =====> أمن إسرائيل في خطر.
لذا في حالة مصر فالجميع يريد نظام قوي وقادرة على السيطرة على البلاد، في كل الحروب الأهلية التي قرأت عنها في الـ 100 سنة الأخيرة كان هناك قاسم مشترك وهو أن القوى العالمية منقسمة في التأييد، بعضها مع النظام وبعضها مع الثوار أو المتمردين. لكن في حالتنا. معسكر أمريكا أوروبا إسرائيل من مصلحته ألا يحدث هذا من أجل ما ذكر في أعلى، معسكر روسيا الصين لا يوجد لديه مشاكل مع النظام الحالي وتجارتهم (الصين) تمر من قناة السويس، وزراعة روسيا -مثل القمح- تصدر لمصر، لذا فهم يريدونها مستقرة، أما الدول العربية (19 دولة عدا ليبيا والسودان) تريد نفس الأمر. ولا يمكن لدول مثل ليبيا والسودان وتركيا المعاديين للنظام الحالي أن يهددوا مصالح أمريكا وأوروبا والصين وروسيا معاً ويشعلوا حرباً أهلية حتى وإن كانوا قادرين على ذلك.
لتحدث حرب أهلية سوف يحتاج الثوار إلى سلاح متقدم ودعم (دول) وليس أفراد، هذا غير متوفر في مصر.
الاقتصاد
“رأس المال جبان”، هذه هى القاعدة الاستثمارية الأولى في العالم، فلا يمكن أن يأتي رأس مال لمكان به اضطرابات، وهذا الأمر يسوق له يومياً في مواقع الاخوان (رصد، حرية وعدالة، المرصد العربي) حيث يقولون أن المستثمر الأجنبي يهرب من السوق المصري الآن. ربما هذا صحيحاً قبل أشهر لكن بالتدقيق في الأخبار مؤخراً ترى أن هناك رجال أعمال يعلنون عن مشاريع بمليارات وتم توقيع بعض العقود والبعض الآخر أعلن عن قروض وأترككم مع بعض المانشيتات الصغيرة (في ال 30 يوماً الأخيرة):
- رئيس القابضة للكيماويات:ضخ 5 مليارات جنيه لإقامة مجمع للأسمدة.
- 10 مصانع لإنتاج الطاقة من القمامة باستثمارات 10 مليارات جنيه.
- 150 مليار دولار استثمارات عربية وأجنبية متوقعة خلال2014 (خبر حكومي)
- الفطيم الإماراتية تضخ خمسة مليارات دولار في مشاريع بالمنطقة (من بينها مصر)
- 5 بنوك تقتنص تدبير 2.5 مليار جم لموبينيل
هذه الأخبار الصغيرة ستجد عشرات منها صدر ويصدر كل يوم، وألقبها بالأخبار الصغيرة لأنها تنشر على في ناطق المواقع الاقتصادية فقط. أنا لست خبيراً اقتصادياً لكنني أرى أن رجال أعمال مثل “ساويرس” و “ماجد الفطيم” يمتلكون علاقات عامة ضخمة وتصل لحاكم دول ومنها مصر، هؤلاء ليسوا سذج ولا يمكن أن يعلنوا عن مشاريع بمليارات في دولة تخشى من حرب أهلية خلال أسابيع قادمة.
رأس المال جبان، ولا أرى أي حالة مؤشرات لهروب رؤوس الأموال من السوق حالياً بل العكس
علم النفس
أتذكرون هتاف “يوم الجمعة العصر هنروح القصر”؟ هذا الهاتف انتشر أثناء ثورة 25 يناير ووقتها سار ذعر كبير في مصر من اشتباك بين الحرس الجمهوري والمتظاهرين عندما يقررون اقتحام قصر العروبة. بعد أسابيع قليلة من الثورة كانت هناك قناة تليفزيونية تستضيف طبيب نفساني كبير ليحلل طبيعة الشعب المصري وكيف طبق كل شارع في مصر نفس شكل اللجنة الشعبية دون تواصل وكيف وكيف وكيف، فأثناء تحليل الخبير للمصريين جاءت سيرة هذا الهتاف فقال أنه كان يستحيل أن يحدث، فإذا كان هناك هجوم على القصر فلن يكون بأعداد ضخمة مثل المظاهرة، فلن يطيع الشعب أمر مثل هذا، وإذا كان هجوم ضخم على القصر فلن يطيع الحرس الجمهوري أمر بقتل عشرات الآلاف، فلا سيقتل ولا هذا سيهجم. وقال أنه سيهجم جزء صغير وسيقتل. وتحدث طويلاً في هذا الأمر لكن أهم ما ذكره أن طبيعة الشعب “الفلاح” تقوم على الصبر لشهور على الزرع ويرتبط بها ويشعر أن جاره جزء منه عكس طبيعة الشعوب القبلية مثل معظم الدول العربية وأضاف أن الشعوب مثل الليبي والجزائري مثلاً قادرة على إراقة الدماء بشكل أسهل بكثير من المصري، وهذا الأمر نتيجة تراكم مئات وآلاف السنين.
أعلم جيداً أن طبيعة الشعب المصري تغيرت قليلاً، فأصبح هناك عنف وعدوانية، لكن الطبيعة المتأصلة والتي تكونت عبر آلاف السنين وعشرات الأجيال لا يمكن أن تتحول بهذه السرعة للدموية. الشعب أصبح عنده تبرير للقتل سواء قتل الجنود أو المتظاهرين، لكنه ليس لديه استعداد ليكون هو أن يقوم بهذا القتل. فئة صغيرة جداً لديها هذا الاستعداد شخصياً أقدرها بـ 0.1% مثلاً لديها ميول للعنف لكن ليس كلها وهى مستعدة للمساندة من الأهل وغيرهم ممن لن يقفوا معه.
خلاصة الأمر أن طبيعة الشعب المصري ليست من الشعوب الدموية لذا فلم يحدث أي حرب أهلية في تاريخ مصر أو اقتتال داخلي.
الخلاصة:
هناك أزمة في مصر، وأتوقع للأسف أن يحدث أحداث عنف كبيرة سيستقط بها مئات القتلى وأغلبهم بالطبع من المدنيين، وفي كل حال جميع القتلى مصريين. ربما يتطور الأمر قليلاً لنرى في مصر مجموعات جهادية حقيقية ونعود لفترة التسعينات، لكن في رأيي يستحيل أن تتحول لحرب أهلية، ويصعب جداً أن تصل للسيناريو الجزائري. ربما يرد على البعض ويقول أن ربما يكون كذا وكذا في الاقتصاد، وكذا وكذا في طبيعة الشعب وكذا وكذا في السياسة. لكن كل نقطة مما سبق ما هى إلا رياح قوية عندما تجتمع سوياً فهى تؤدي إلى أنك إذا ألقيت عود الثقاب فلن يصل إلى الأرض مشتعلاً. وجود عنف لكن لن يصل للاقتتال الأهلي حتى وإن أراد بعض أطراف اللعبة هذا الاقتتال، فعوامل التفاعل ليست جميعها في أيديهم مثل “العالم الخارجي” و”طبيعة الشعب”. وأرى أن أقوى العوامل التي تعارض الحرب الأهلية هى العوامل السياسية.
مقال رائع رائع بجد انا استمتعت بكل سطر بالمقال
شكراً ليك يا أحمد، ما تعملنا شير وتويت بقى 😀
السهولة والبساطة في استنباط خلاصة مجموعة معطيات الأفكار المتضاربة لديك…كلام كبييير 🙂
شكراً يا أحمد على رأيك
شكرا لك كلعاده مبدع استاذ بن سامي